جبهة الإسناد لغزة- ثمن باهظ وتداعيات على لبنان

المؤلف: منى الدحداح10.31.2025
جبهة الإسناد لغزة- ثمن باهظ وتداعيات على لبنان

في دوامة الصراع المحتدم في غزة، اتخذ حزب الله قرارًا بالانخراط فيما أطلق عليه اسم «جبهة الإسناد»، وهي خطوة تركت بصمات عميقة ومتشعبة الأثر على الوضع في لبنان. هذا التدخل، في حقيقته، جرّ على لبنان سلسلة من التبعات الوخيمة والنتائج السلبية.

لقد أدت جبهة الإسناد التي أطلقها حزب الله نصرة لغزة إلى خسائر جسيمة أثقلت كاهل لبنان، لا سيما بعد أن بلغت وتيرة الحرب ذروتها خلال الشهرين الماضيين، حين شنّت إسرائيل هجومًا ضاريًا على مناطق تمركز حزب الله في الجنوب وضواحي بيروت والبقاع ومناطق أخرى، الأمر الذي أفضى إلى تداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية وخيمة.

على الصعيد الاجتماعي، فقد لبنان أرواحًا غالية، وشهد إصابة أعداد كبيرة من المواطنين الأبرياء، إضافة إلى تدمير آلاف المنازل والمساكن وتهجير أعداد هائلة من السكان قسرًا. فوفقًا لبيانات وزارة الصحة اللبنانية، وحتى تاريخ 24 نوفمبر (تشرين الثاني)، قُتل 3768 شخصًا، وأصيب 15699 آخرين على الأقل منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وفي سياق متصل، كشف تقرير صادر عن البنك الدولي عن تدمير أكثر من 99 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي أو كلي. وأكدت المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن ما يزيد على 886 ألف شخص قد نزحوا داخل لبنان حتى تاريخ 18 نوفمبر. وأظهرت معطيات المفوضية أن أكثر من 540 ألف شخص فروا من لبنان إلى سوريا منذ اندلاع الحرب، بالإضافة إلى لجوء أعداد غفيرة إلى بلدان أخرى بحثًا عن ملاذ آمن.

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد كانت الخسائر فادحة وباهظة التكاليف. فقد طالت الأضرار الجسيمة البنية التحتية اللبنانية، خاصة في الجنوب وضواحي بيروت والبقاع، نتيجة للعمليات العسكرية المتبادلة. كما تأثرت القطاعات الاقتصادية الحيوية، كالسياحة والزراعة، بشكل مباشر، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية المستمرة التي يعاني منها لبنان أصلاً.

وفي تقدير لمدى الخسائر، أورد تقرير البنك الدولي أن الأضرار التي لحقت بقطاعي السياحة والضيافة قد بلغت نحو 1.1 مليار دولار. وفي قطاع الزراعة، قُدرت الخسائر بنحو 124 مليون دولار، إضافة إلى خسائر أخرى تجاوزت 1.1 مليار دولار، وذلك بسبب ضياع فرص الحصاد نتيجة لتدمير المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية ونزوح المزارعين عن أراضيهم.

وعلى الصعيد السياسي، تسبّب هذا التدخل في تعميق الانقسامات الداخلية اللبنانية، حيث انقسم اللبنانيون بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة. وقد أدى هذا الانقسام إلى زيادة حدة التوتر السياسي وتهديد الاستقرار الهش أصلاً في البلاد. واليوم، يطالب قطاع كبير من اللبنانيين بتطبيق الدستور، أي وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف عام 1989)، ويؤكدون أن عدم تنفيذه بشكل كامل قد أدى إلى تفاقم المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والجدير بالذكر أن هذا الاتفاق كان يهدف أساسًا إلى إنهاء الحرب الأهلية وإعادة بناء الدولة على أسس متينة.

وختامًا، يمكن القول إن جبهة الإسناد لغزة كانت مكلفة للغاية بالنسبة للبنان، ولم تحقق الأهداف المرجوة منها. فالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين لبنان وإسرائيل لوقف إطلاق النار قد فصل جبهة الجنوب عن غزة، ولم تتوقف الحرب على غزة، ولم يتم تحرير أي شبر من الأراضي اللبنانية المحتلة، بل تم فرض تطبيق القرار 1701 الذي كان من المفترض أن يُطبق منذ عام 2006، الأمر الذي يثير تساؤلات مشروعة حول جدوى هذا التدخل وتداعياته المستقبلية على لبنان والمنطقة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة